حقوق الأقليات
حقوق الأقليات
1- تنص المادة 27 من العهد على أنه لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص من أبناء هذه الأقليات من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره، أو استعمال لغتهم، بالاشتراك مع أبناء جماعتهم الآخرين. وتلاحظ اللجنة أن الحق الذي تقره هذه المادة وتعترف به هو حق يُمنح للأفراد المنتمين إلى فئات الأقليات، وهو حق متميز وزائد على جميع الحقوق الأخرى التي يحق لهم كأفراد مثل سائر الناس التمتع بها بموجب العهد.
2- وفي بعض الرسائل المقدمة إلى اللجنة بموجب البروتوكول الاختياري، هناك خلط بين الحق المصون بموجب
المادة 27 وحق الشعوب في تقرير المصير المعلن في المادة 1 من العهد. وعلاوة على ذلك، يوجد أحياناً في التقارير المقدمة من الدول الأطراف بموجب المادة 40 من العهد خلط بين الالتزامات المفروضة على الدول الأطراف بموجب المادة 27 وبين واجب تلك الدول بموجب المادة 2-1 الذي يلزمها بكفالة التمتع بالحقوق المضمونة بموجب العهد دون تمييز وبين المساواة أمام القانون وتوفير الحماية القانونية المتساوية بموجب المادة 26.
3-1 ويميز العهد بين الحق في تقرير المصير والحقوق المصونة بموجب المادة 27. فالحق في تقرير المصير يشار إليه كحق تملكه الشعوب وتتم معالجته في جزء مستقل (الجزء الأول) من العهد. وهذا الحق لا يدخل في نطاق البروتوكول الاختياري. أما المادة 27، فتتصل بحقوق ممنوحة للأفراد بصفتهم هذه وتندرج، كغيرها من المواد المتعلقة بالحقوق الشخصية الأخرى الممنوحة للأفراد، في الجزء الثالث من العهد، وتدخل في نطاق البروتوكول الاختياري([1]).
3-2 ولا يمس التمتع بالحقوق التي تتصل بها المادة 27 بسيادة أي دولة من الدول الأطراف ولا بسلامتها الإقليمية. وفي الوقت نفسه، فإن جانباً أو آخر من حقوق الأفراد المصونة بموجب المادة – على سبيل المثال التمتع بثقافة معينة – يمكن أن يتمثل في أسلوب للعيش يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرض وباستخدام مواردها([2]). وهذا قد ينطبق بصورة خاصة على أفراد طوائف السكان الأصليين التي تشكل أقلية.
4- ويميز العهد أيضاً الحقوق المصونة بموجب المادة 27 عـن الضمانـات المكفـولة بموجب المادتين 2(1) و26. فما تقضي به المادة 2(1)، وهو التمتع بالحقوق المكفولة بموجب العهد دون تمييز، ينطبق على جميع الأفراد الموجودين داخل الإقليم أو الخاضعين لولاية الدولة، سواء أكان هؤلاء الأشخاص منتمين أو غير منتمين إلى أقلية ما. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حق مميز مكفول بموجب المادة 26 مؤداه المساواة أمام القانون وتوفير الحماية القانونية المتساوية وعدم التمييز فيما يتعلق بالحقوق الممنوحة والالتزامات المفروضة من جانب الدول. وهذا الحق يحكم ممارسة جميع الحقوق، سواء أكانت مصونة بموجب العهد أم لا ، التي تمنحها الدولة الطرف بموجب القانون للأفراد الموجودين داخل إقليمها أو الخاضعين لولايتها، بصرف النظر عن كونهم منتميـن أم لا إلى الأقليات المحددة في المادة 27([3]). وبعض الدول الأطراف التي تدعي أنها لا تميز على أساس الأصل الإثني أو اللغة أو الدين، تدعي خطأ، على هذا الأساس وحده، أنه لا توجد لديها أقليات.
5-1 وتدل العبارات المستخدمة في المادة 27 على أن الأشخاص المقصود حمايتهم هم الذين ينتمون إلى فئة ما ويشتركون معاً في ثقافة و/أو دين و/أو لغة ما. وتدل تلك العبارات أيضاً على أن الأفراد المقصود حمايتهم لا يلزم أن يكونوا من مواطني الدولة الطرف. والالتزامات الناجمة عن المادة 2(1) هي ذات صلة أيضاً في هذا الصدد، حيث إنه يلزم بموجب تلك المادة أن تكفل الدولة الطرف أن تكون الحقوق المصونة بموجب العهد متاحة لجميع الأفراد الموجودين داخل إقليمها والخاضعين لولايتها، فيما عدا الحقوق المنصوص صراحة على أنها تنطبق على المواطنين، ومن ذلك على سبيل المثال الحقوق السياسية المكفولة بموجب المادة 25. ومن ثم، لا يجوز للدولة الطرف أن تُقصِر الحقوق المكفولة بموجب المادة 27 على مواطنيها وحدهم.
5-2 وتمنح المادة 27 حقوقاً للأشخاص المنتمين إلى الأقليات التي “توجد” في دولة طرف. وبالنظر إلى طبيعة ونطاق الحقوق المتوخاة بموجب تلك المادة، فإن تحديد درجة الدوام التي تفيد بها ضمناً كلمة “توجد” غير ذي موضوع في هذا الصدد. فتلك الحقوق مؤداها ببساطة هو أن الأفراد المنتمين إلى تلك الأقليات لا ينبغي أن يُنكر عليهم الحق في التمتع، بالاشتراك مع أبناء جماعتهم، بثقافتهم، وإقامة شعائر دينهم، والتكلم بلغتهم. وكما أنه لا يلزم أن يكونوا من الرعايا أو المواطنين، فإنه لا يلزم أن يكونوا من المقيمين الدائمين. ومن ثم، فإن العمال المهاجرين، أو حتى الزوار في الدولة الطرف الذين يؤلفون تلك الأقليات، من حقهم ألا يُحرموا من ممارسة تلك الحقوق. وهؤلاء الأشخاص، مثلهم مثل أي فرد آخر في إقليم الدولة الطرف، لهم، أيضاً لهذا الغرض، الحقوق العامة في حرية الاشتراك في الجمعيات وحرية التجمع وحرية التعبير. ووجود أقلية إثنية أو دينية أو لغوية في دولة معينة من الدول الأعضاء لا يتوقف على قرار من تلك الدولة الطرف بل يلزم أن يتقرر بموجب معايير موضوعية.
5-3 وحق الأفراد المنتمين إلى أقلية لغوية في استخدام لغتهم فيما بينهم، على الصعيدين العام والخاص، متميز عن الحقوق اللغوية الأخرى المصونة بموجب العهد. وعلى وجه الخصوص، ينبغي تمييزه عن الحق العام في حرية التعبير المصون بموجب المادة 19. فهذا الحق متاح لجميع الأشخاص، بصرف النظر عن انتمائهم إلى أقليات من عدمه. وعلاوة على ذلك، فإن الحق المصون بموجب المادة 27 ينبغي أن يفرّق بينه وبين الحق المعين الذي تمنحه المادة 14-3(و) من العهد للأشخاص المتهمين وهو الحق في الترجمة الشفوية حينما لا يكون بمقدورهم فهم اللغة المستعملة في المحاكم أو التكلم بها. والمادة 14-3(و) لا تمنح، في أية ظروف أخرى، الأشخاص المتهمين الحق في أن يستعملوا اللغة التي يختارونها أو يتكلموا بها في سياق إجراءات المحاكم([4]).
6-1 وعلى الرغم من أن المادة 27 معبّر عنها بصيغة النفي، فإن هذه المادة تعترف بوجود “حق” وتقضي بعدم جواز الحرمان منه. وبناء على ذلك، فإن على الدولة الطرف التزاماً بأن تكفل أن يكون وجود هذا الحق واستعماله مصونين من الإنكار أو الانتهاك. ومن ثم فإن التدابير الإيجابية لصونهما واجبة لا ضد أفعال الدولة الطرف نفسها فحسب، محميين سواء عن طريق سلطاتها التشريعية أو القضائية أو الإدارية، بل أيضاً ضد أفعال الأشخاص الآخرين داخل الدولة الطرف.
6-2 وعلى الرغم من أن الحقوق المصونة بموجب المادة 27 هي حقوق فردية، فإنها تعتمد بدورها على قدرة جماعة الأقلية على الحفاظ على ثقافتها أو لغتها أو دينها. وبناء على ذلك، فقد يتعين على الدول اتخاذ تدابير إيجابية لحماية هوية أقلية من الأقليات وصون حقوق أفرادها في التمتع بثقافتهم ولغتهم وفي تطويرهما، وفي ممارسة شعائر دينهم، وذلك بالاشتراك مع أبناء جماعتهم الآخرين. وفي هذا الصدد، ينبغي أن يلاحظ أن هذه التدابير الإيجابية يجب أن تحترم أحكام المادتين 2-1 و26 من العهد سواء فيما يتعلق بالمعاملة بين مختلف الأقليات أو المعاملة بين الأشخاص المنتمين إليها وباقي السكان. غير أنه طالما كانت هذه التدابير تستهدف تصحيح الأوضاع التي تحول دون التمتع بالحقوق المكفولة بموجب المادة 27 أو التي تنتقص منه، فإنها يجوز أن تشكل تفريقا مشروعاً في إطار العهد، شريطة أن تكون مستندة إلى معايير معقولة وموضوعية.
7- وفيما يتعلق بممارسة الحقوق الثقافية التي تحميها المادة 27، تلاحظ اللجنة أن الثقافة تتبدى بأشكال كثيرة، من بينها أسلوب للعيش يرتبط باستخدام موارد الأرض، لا سيما في حالة السكان الأصليين. ويمكن أن يشمل هذا الحق أنشطة تقليدية مثل صيد السمك أو الصيد والحق في العيش في المحميات الطبيعية التي يصونها القانون([5]). وقد يتطلب التمتع بهذه الحقوق تدابير قانونية إيجابية للحماية وتـدابير لضمان المشاركة الفعالة لأفراد جماعات الأقليات في القرارات التي تمسهم.
8- وتلاحظ اللجنة أنه لا يجوز شرعاً ممارسة أي حق من الحقوق التي تحميها المادة 27 من العهد على نحو أو إلى حد يتنافى وسائر أحكام العهد.
9- وتخلص اللجنة إلى أن المادة 27 تتعلق بحقوق تفرض حمايتها التزامات محددة على الدول الأطراف. والهدف من حماية هذه الحقوق هو ضمان بقاء واستمرار تطور الهوية الثقافية والدينية والاجتماعية للأقليات المعنية، مما يثري نسيج المجتمع ككل. وعليه، تلاحظ اللجنة أنه يجب حماية هذه الحقوق بصفتها هذه، وينبغي عدم الخلط بينها وبين الحقوق الشخصية الأخرى الممنوحة للجميع بموجب العهد. ولذلك فإن على الدول الأطراف التزاما بضمان صون هذه الحقوق على نحو كامل، وينبغي لها أن تبين في تقاريرها التدابير التي اتخذتها تحقيقاً لهذه الغاية.
- انظر الوثائق الرسمية للجمعية العامة، الدورة التاسعة والثلاثون، الملحق رقم 40 (A/39/40)، المرفق السادس، التعليق العام رقم 12(21) (المادة 1)، الصادر أيضاً في الوثيقة CCPR/C/21/Rev.1. وانظر المرجع نفسه؛ الدورة الخامسة والأربعون، الملحق رقم 40 (A/45/40)، المجلد الثاني، المرفق التاسع، الفرع ألف، البلاغ رقم 167/1984 (برنارد اوميناياك، قائد عصبة بحيرة لوبيكون، ضد كندا)، الآراء المعتمدة في 26 آذار/مارس 1990.
- انظر المرجع نفسه، الدورة الثالثة والأربعون، الملحق رقم 40 (A/43/40)، المرفق السابع، الفرع زاي، البلاغ رقم 197/1985 (كيتوك ضد السويد)، الآراء المعتمدة في 27 تموز/يوليه 1988.
- انظر المرجع نفسه، الـدورة الثانية والأربعون، الملحق رقم 40 (A/42/40)، المرفق الثامن، الفرع دال، البلاغ رقم 182/1984 (ف. ه . زوان دي فريس ضد هولندا)، الآراء المعتمدة في 9 نيسان/أبريل 1987؛ والمرجع نفسه، الفرع جيم، البلاغ رقم 180/1984 (ل. غ. داننغ ضد هولندا)، الآراء المعتمدة في 9 نيسان/أبريل 1987.
- انظر المرجع نفسه، الدورة الخامسة والأربعون، الملحق رقم 40 (A/45/40)؛ المجلد الثاني، المرفق العاشر، الفرع ألف، البلاغ رقم 220/1987 (ت. ك. ضد فرنسا)، القرار المؤرخ في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1989؛ والمرجع نفسه، الفرع باء، البلاغ رقم 222/1987 (م. ك. ضد فرنسا)، القرار المؤرخ في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1989.
- انظر الحاشيتين 1 و2 أعلاه، البلاغ رقم 167/1984 (برنارد أوميناياك، رئيس عصبة بحيرة لوبيكون، ضد كندا)، الآراء المعتمدة في 26 آذار/مارس 1990، والبلاغ رقم 197/1985 (كيتوك ضد السويد) الآراء المعتمدة في 27 تموز/يوليه 1988.