الحق في الغذاء الكافي
الحق في الغذاء الكافي
مقدمة
إن حق الإنسان في الغذاء الكافي معترف به في العديد من الصكوك بموجب القانون الدولي. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعنى بصورة أشمل من أي صك آخر بهذا الحق. فطبقاً للمادة 11-1 من هذا العهد، تقر الدول الأطراف “بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف لـه ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغـذاء، والكساء، والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية”، بينما تعترف، طبقاً للمادة 11-2، بأن تدابير أكثر استعجالاً وإلحاحاً قد تلزم لتأمين “الحق الأساسي في التحرر من الجوع وسوء التغذية”. وحق الإنسان في الغذاء الكافي يتسم بأهمية حاسمة بالنسبة للتمتع بجميع الحقوق. فهو ينطبق على كل فرد ومن ثم فإن الإشارة في المادة 11-1 إلى “لنفسه ولأسرته” لا تعني أي تقييد لانطباق هذا الحق على الأفراد أو على ربات الأسر.
وقد قامت اللجنة بتجميع معلومات ذات أهمية تتصل بالحق في الغذاء الكافي من خلال دراستها لتقارير الدول الأطراف خلال السنوات منذ عام 1979 ولاحظت اللجنة أنه برغم ما يتوفر من مبادئ توجيهية لتقديم التقارير المتصلة بالحق في الغذاء الكافي، لم تقم سوى قلة من الدول بتوفير معلومات وافية وعلى درجة من الدقة تمكِّن اللجنة من الوقوف على الحالة السائدة في البلدان المعنية فيما يخص هذا الحق وتحديد العراقيل التي تعترض إعماله. ويهدف هذا التعليق العام إلى تحديد بعض القضايا الرئيسية التي تراها اللجنة ذات أهمية فيما يتصل بالحق في الغذاء الكافي. وكان الباعث على إعداده طلب الدول الأعضاء أثناء مؤتمر القمة العالمي للأغذية المعقود عام 1996 الداعي إلى تحديد أفضل للحقوق المتصلة بالغذاء والواردة في المادة 11 من العهد وطلب خاص إلى اللجنة بإيلاء بالغ الاهتمام لخطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة في معرض رصد تنفيذ التدابير المحددة التي تنص عليها المادة 11 من العهد.
واستجابة لهذين الطلبين، استعرضت اللجنة التقارير والوثائق ذات الصلة الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات والمتعلقة بالحق في الغذاء الكافي بوصفه حقاً من حقوق الإنسان، وكرست يوماً لإجراء مناقشة عامة لهذه القضية في دورتها السابعة عشرة المعقودة في عام 1997 آخذة بعين الاعتبار مشروع المدونة الدولية لقواعد السلوك بشأن حق الإنسان في الغذاء الكافي الذي أعدته المنظمات غير الحكومية الدولية، وشاركت في اجتماعين تشاوريين للخبراء بشأن الحق في الغذاء الكافي بوصفه حقاً من حقوق الإنسان نظمتهما مفوضية الأمم المتحدة. السامية لحقوق الإنسان في جنيف في شهر كانون الأول/ديسمبر 1997، وفي روما في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1998 واشتركت في استضافة هذين الاجتماعين منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وقد أحاطت اللجنة علماً بالتقريرين النهائيين الصادرين عنهما. وفي نيسان/أبريل 1999 اشتركت اللجنة في ندوة بعنوان “جوهر النهج الذي تمليه حقوق الإنسان وأساليبه السياسية في تناول السياسات العامة والبرامج المتعلقة بالأغذية وسوء التغذية”، نظمته اللجنة الفرعية المعنية بالتغذية المنبثقة عن لجنة التنسيق الإدارية التابعة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين المعقودة في جنيف واستضافتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
وتؤكد اللجنة أن الحق في الغذاء الكافي يرتبط ارتباطاً لا انفصام فيه بالكرامة المتأصلة في الإنسان، وهو حق لا غنى عنه للتمتّع بحقوق الإنسان الأخرى المكرسة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. ولا يمكن أيضاً فصل هذا الحق عن العدالة الاجتماعية، وهو يستلزم انتهاج السياسات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الملائمة على الصعيدين الوطني والدولي الموجهة نحو القضاء على الفقر وإعمال كافة حقوق الإنسان للجميع.
وبالرغم من أن المجتمع الدولي قد أعاد التأكيد مراراً على أهمية الاحترام الكامل للحق في الغذاء الكافي، لا تزال هناك فجوة مثيرة للانزعاج تفصل بين المستويات المحددة في المادة 11 من العهد والحالة السائدة في العديد من أنحاء العالم. فهناك ما يزيد على 840 مليون شخص في أنحاء العالم، معظمهم في البلدان النامية، يعانون من الجوع المزمن، وهناك ملايين الأشخاص يعانون من المجاعة نتيجة للكوارث الطبيعية ولتزايد الصراعات الأهلية والحروب في بعض المناطق واستخدام الغذاء كسلاح سياسي. وتلاحظ اللجنة أنه برغم ما تتسم به مشاكل المجاعة وسوء التغذية في البلدان النامية من حدة بالغة في الكثير من الأحيان، فإن مشاكل سوء التغذية ونقص التغذية وغير ذلك من المشاكل ذات الصلة بالحق في الغذاء الكافي والحق في التحرر من الجوع تواجه في بعض أكثر البلدان تقدماً من الناحية الاقتصادية. وجذور مشكلة الجوع وسوء التغذية لا تكمن أساساً في الافتقار إلى الأغذية بل إنها تكمن في حرمان قطاعات كبيرة من السكان في العالم من سبيل الحصول على الغذاء وذلك لأسباب منها الفقر.
المضمون المعياري للمادة 11، الفقرتان 1 و2
يتم إعمال الحق في الغذاء الكافي عندما يتاح مادياً واقتصادياً لكل رجل وامرأة وطفل بمفرده أو مع غيره من الأشخاص، في كافة الأوقات، سبيل الحصول على الغذاء الكافي أو وسائل شرائه. ولذلك لا ينبغي تفسير الحق في الغذاء الكافي تفسيراً ضيقاً يقصره على تأمين الحد الأدنى من الحريرات والبروتينات وغير ذلك من العناصر المغذية المحددة. إذ سيلزم إعمال الحق في الغذاء الكافي بصورة تدريجية. بيد أن الدول ملزمة أساساً باتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من أثر الجوع على النحو المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 11 حتى في أوقات الكوارث الطبيعية.
كفاية واستدامة توفر الغذاء وسبيل الحصول عليه
لمفهوم الكفاية أهمية خاصة فيما يتصل بالحق في الغذاء لأنه يستخدم لإبراز عدد من العوامل التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في تحديد ما إذا كانت أنواع معينة من الأغذية أو النظم الغذائية المتاحة يمكن أن تعتبر في ظروف معينة أنسب الأنواع لأغراض المادة 11 من العهد. ومفهوم الاستدامة مرتبط ارتباطاً لا انفصام فيه بمفهوم الغذاء الكافي أو الأمن الغذائي، فهو ينطوي على إمكانية الحصول على الغذاء حاضراً ولأجيال المستقبل على حد سواء. والمعنى الدقيق لكلمة “كفاية” يتحدد إلى مدى بعيد بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمناخية والإيكولوجية وغيرها من الأوضاع السائدة، في حين أن “الاستدامة” تنطوي على مفهوم توفر الغذاء وإمكان الحصول عليه في الأجل الطويل.
وترى اللجنة أن المضمون الأساسي للحق في الغذاء الكافي يعني ما يلي:
توفر الغذاء بكمية ونوعية تكفيان لتلبية الاحتياجات التغذوية للأفراد، وخلو الغذاء من المواد الضارة وكونه مقبولاً في سياق ثقافي معين؛
وإمكانية الحصول على الغذاء بطرق تتسم بالاستدامة ولا تعطل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى.
والاحتياجات التغذوية تعني أن النظام الغذائي ككل يتضمن خليطاً من المغذيات اللازمة للنمو الجسمي والنفسي، ولنماء وتطور النشاط البدني. وتكون هذه المغذيات متمشية مع الاحتياجات الفيزيولوجية البشرية في جميع مراحل الحياة ووفقاً لنوع الجنس والمهنة. ولذلك قد تدعو الحاجة لاتخاذ تدابير لإدامة وتطويع وتعزيز التنوع التغذوي والاستهلاك الملائم ونماذج الرضاعة بما في ذلك الرضاعة الطبيعية مع تأمين كون التغييرات فيما يتوفر ويتاح الحصول عليه من الأغذية كحد أدنى لا يؤثر تأثيراً سلبياً على التركيبة التغذوية والمتناول من الغذاء.
الخلو من المواد الضارة يحدد اشتراطات للسلامة الغذائية وجملة من التدابير الوقائية التي تتخذ بوسائل عامة وخاصة لمنع تلوث المواد الغذائية بشوائب و/أو بسبب انعدام الشروط البيئية الصحية أو المناولة غير السليمة في مختلف المراحل التي يمر بها إنتاج الأغذية، ويجب الحرص على تحديد وتجنب وتدمير التكسينات التي تحدث في الطبيعة.
مقبولية الغذاء من الوجهة الثقافية أو وجهة نظر المستهلك تعني الحاجة إلى أن تؤخذ بعين الاعتبار، قدر المستطاع، قيم مستشفة غير العناصر المغذية. وترتبط هذه القيم بالغذاء واهتمامات المستهلك المستنير فيما يتعلق بطبيعة الإمدادات الغذائية المتاحة.
توافر الأغذية يشير إلى الإمكانيات التي تيسر إما تغذية الفرد لنفسه مباشرة بالاعتماد على الأرض المنتجة أو الموارد الطبيعية الأخرى أو على نظم التوزيع والتجهيز والتسويق العاملة بشكل سليم والتي يمكن أن تنقل الغذاء من موقع الإنتاج إلى الموقع الذي توجد فيه الحاجة إلى الغذاء بحسب الطلب.
إمكانية الحصول على الغذاء تشمل الإمكانية الاقتصادية والمادية على حد سواء:
فالإمكانية الاقتصادية تعني أن التكاليف المالية الشخصية أو الأسرية التي ترتبط بالحصول على الأغذية من أجل تأمين نظام غذائي كاف يلزم أن تكون بالمستوى الذي لا يهدد الوفاء بالاحتياجات الأساسية الأخرى. والإمكانية الاقتصادية لتأمين الغذاء تنطبق على أي نمط من أنماط الحصول على الأغذية أو أهلية الحصول عليها وبها يقاس مدى ما يتحقق من التمتع بالحق في الغذاء الكافي. والمجموعات الضعيفة اجتماعياً مثل الأشخاص الذين لا يملكون أراضٍ أو غيرهم من قطاعات السكان التي تعاني من الفقر الشديد قد تحتاج إلى عناية توفرها برامج خاصة.
والإمكانية المادية للحصول على الغذاء تعني أن الغذاء الكافي يجب أن يكون متاحاً لكل فرد، بما في ذلك الأفراد ضعاف الجسم مثل الرضع والأطفال الصغار والمسنين والمعاقين بدنياً والمصابين بأمراض لا شفاء منها والأشخاص الذين يعانون مشاكل صحية مزمنة بمن فيهم المرضى عقلياً. وقد يحتاج ضحايا الكوارث الطبيعية وغيرهم من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق معرضة للكوارث وغيرهم من المجموعات المحرومة بشكل خاص لعناية خاصة وبعض الاهتمام ذي الأولوية فيما يتعلق بالحصول على الغذاء. وهناك ضعف خاص يعانيه الكثير من مجموعات السكان الأصليين الذين تكتنف الأخطار سبيل وصولهم إلى أراضي أجدادهم.
الالتزامات والانتهاكات
إن طبيعـة الالتزامـات القانونية التي تتعهد بها الدول مبينة في المادة 2 من العهد وقد تناولها التعليق العام 3 للجنة (1990). والالتزام الرئيسي يتمثل في اتخاذ خطوات تسمح، تدريجياً، بالإعمال الكامل للحق في الغذاء الكافي. وهذا الأمر يفرض التزاما بالتقدم بأسرع ما يمكن نحو بلوغ هذا الهدف. وكل دولة ملزمة بأن تضمن لكل فرد يخضع لولايتها القضائية الحصول على الحد الأدنى من الغذاء الأساسي يكون كافيا ومغذيا بصورة مناسبة ومأمونة، وأن تضمن تحرر الفرد من الجوع.
والحق في الغذاء الكافي، مثل أي حق آخر من حقوق الإنسان، يفرض على الدول الأطراف ثلاثة أنواع أو مستويات من الالتزامات هي: الالتزامات بالاحترام، والحماية، وبالإعمال. والالتزام بالإعمال بدوره يشمل الالتزام بالتسهيل والالتزام بالتوفير 1. والالتزام باحترام السبيل المتوفر للحصول على الغذاء الكافي يستلزم من الدول الأطراف ألا تتخذ أي تدابير تسفر عن الحؤول دونه. والالتزام بالحماية يستلزم أن تتخذ الدولة تدابير لضمان عدم قيام أفراد أو شركات بحرمان الأفراد من الحصول على الغذاء الكافي. والالتزام بالوفاء يعني أنه يجب أن تشارك الدولة بفعالية في الأنشطة المقصود منها أن تعزز وصول الناس إلى موارد ووسائل ضمان مقومات عيشهم، بما في ذلك الأمن الغذائي، واستخدام تلك الموارد والوسائل. وأخيراً، وكلما عجز فرد أو جماعة، لأسباب خارجة عن نطاق إرادتهما، عن التمتع بالحق في الغذاء الكافي بالوسائل المتاحة للفرد أو الجماعة، يقع على عاتق الدول التزام بأن تفي بذلك الحق مباشرة. ويسري هذا الالتزام أيضا على الأشخاص ضحايا الكوارث الطبيعية أو غيرها من الكوارث.
ولبعض التدابير، على هذه المستويات المختلفة من التزامات الدول الأطراف، طبيعة عاجلة، بينما تكتسي تدابير أخرى الصبغة الأطول أجلا للتوصل تدريجيا إلى الإعمال الكامل للحق في الغذاء.
وتحدث انتهاكات للعهد عندما تقصر الدولة عن الوفاء، على أقل تقدير، بالحد الأساسي الأدنى المطلوب ليكون الفرد متحررا من الجوع. ولدى تحديد أي فعل أو إغفال لفعل يعدّ انتهاكا للحق في الغذاء، من الأهمية بمكان التمييز بين عجز الدولة الطرف عن الوفاء بالتزاماتها وعدم استعدادها لذلك. وإذا ادعت دولة طرف أن القيود المفروضة على الموارد تجعل من المستحيل عليها أن توفر الغذاء للعاجزين عن توفيره بأنفسهم، يجب أن تثبت الدولة أنها بذلت قصارى الجهد من أجل استخدام كل الموارد الموجودة تحت تصرفها في سبيل الوفاء، على سبيل الأولية، بهذه الالتزامات الدنيا. وهذا أمر مترتب على المادة 2-1 من العهد التي تلزم الدولة باتخاذ ما يلزم من خطوات “بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة”، حسبما سبق للجنة أن أشارت إليه في تعليقها العام 3، الفقرة 10. وبالتالي، فإن الدولة التي تدعي بأنها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها لأسباب خارجة عن إرادتها تتحمل عبء إثبات ذلك وإثبات أنها التمست، بلا جدوى، الحصول على الدعم الدولي لضمان توافر الغذاء الكافي وإمكانية الحصول عليه.
وبالإضافة إلى ذلك، يعد انتهاكا للعهد أي تمييز في الحصول على الغذاء، وفي وسائل واستحقاقات الحصول عليه، على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو السن، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب، يكون غرضه أو أثره إلغاء أو إعاقة تكافؤ التمتع بالحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو ممارستها.
وتحدث انتهاكات الحق في الغذاء من خلال العمل المباشر الذي تقوم به الدول أو كيانات أخرى لا تخضع الخضوع الكافي للوائح الدولة. وتشمل هذه الانتهاكات ما يلي: إلغاء أو تعليق العمل رسميا بالتشريع اللازم لاستمرار التمتع بالحق في الغذاء؛ وحرمان أفراد أو جماعات من الحصول على الغذاء، سواء كان التمييز مستندا إلى التشريع أو تمييزاً استباقياً؛ ومنع الحصول على المساعدة الغذائية الإنسانية في المنازعات الداخلية أو في حالات الطوارئ الأخرى؛ واعتماد تشريعات أو سياسات تتعارض بشكل واضح مع الالتزامات القانونية القائمة سابقاً والمتصلة بالحق في الغذاء؛ والتقصير في تنظيم أنشطة الأفراد أو الجماعات على النحو الذي يمنعهم من انتهاك حق الغير في الغذاء، أو تقصير الدولة في مراعاة التزاماتها القانونية الدولية فيما يتعلق بالحق في الغذاء عندما تبرم اتفاقات مع دول أو منظمات دولية أخرى.
وفي حين أن الأطراف في العهد هي الدول دون سواها وهي بالتالي المسؤولة في النهاية عن الامتثال للعهد، فإن كل أفراد المجتمع – الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك قطاع الأعمال التجارية الخاص – يتحملون مسؤوليات في مجال إعمال الحق في الغذاء الكافي. وينبغي أن تهيىء الدولة بيئة تسهل تنفيذ هذه المسؤوليات. وينبغي أن يواصل قطاع الأعمال التجارية الخاص – الوطني والدولي – أنشطته في إطار مدونة لقواعد السلوك تؤدي إلى احترام الحق في الغذاء الكافي ويتفق عليها بالاشتراك بين الحكومة والمجتمع المدني.
المعايير والتشريع الإطاري
يتعين على الدول، عند تنفيذ الاستراتيجيات المحددة للبلد المشار إليها أعلاه، أن تضع معايير للمراقبة اللاحقة على المستويين الوطني والدولي يمكن التحقق منها. وفي هذا الصدد، يتعين على الدول أن تنظر في اعتماد قانون إطاري كأداة أساسية لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالحق في الغذاء. وينبغي أن يتضمن القانون الإطاري أحكاماً تتعلق بغرضه؛ والأهداف أو المقاصد المنشودة والإطار الزمني الواجب تحديده لبلوغها ووصف الطرق المستخدمة لبلوغ هذا الهدف، ولا سيما التعاون المستصوب مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية؛ والمؤسسية عن هذه العملية؛ والآليات الوطنية لرصدها، وكذلك الإجراءات الممكنة لطلب الاستعانة. ويتعين على الدول الأطراف، عند وضع المعايير والتشريع الإطاري، أن تُشرك بصورة نشيطة منظمات المجتمع المدني.
ويتعين على برامج ووكالات الأمم المتحدة المعنية أن تقدم المساعدة، عند الطلب، في صياغة التشريع الإطاري وتنقيح التشريع القطاعي. فلدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، مثلاً، دراية كبيرة ومعلومات متراكمة تتعلق بالتشريعات في مجالي الأغذية والزراعة. كما تتوفر لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) دراية مماثلة بشأن التشريعات المتعلقة بالحق في الغذاء الكافي للرضع والأطفال الصغار من خلال حماية الأم والطفل، بما في ذلك تشريعات تسمح بالرضاعة الطبيعية وتتعلق بتنظيم تسويق بدائل لبن الأم.
عمليات الرصد
ينبغي للدول الأطراف أن تضع وتطوِّر آليات لرصد التقدم المحرز نحو إعمال الحق في غذاء كافٍ للجميع، وتحديد العوامل والصعوبات التي تؤثر في مستوى تنفيذ التزاماتها، وتيسير اعتماد تشريعات تصحيحية وتدابير إدارية، بما في ذلك تدابير لتنفيذ التزاماتها بموجب المادتين 2-1 و23 من العهد.
سبل الانتصاف والمساءلة
ينبغي أن يكون بإمكان من يقع من الأشخاص أو المجموعات ضحية لانتهاك الحق في غذاء كافٍ الوصول إلى سبل انتصاف قضائية فعالة أو غيرها من سبل الانتصاف الملائمة على المستويين الوطني والدولي معاً. ويحق لجميع ضحايا مثل هذه الانتهاكات الحصول على تعويض مناسب قد يتخذ شكل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو التعويض أو الترضية أو تقديم ضمانات بعدم التكرار. ويتعين على أمناء المظالم ولجان حقوق الإنسان على المستوى الوطني أن يعالجوا انتهاكات الحق في الغذاء.
ومن شأن إدراج صكوك دولية تعترف بالحق في الغذاء في النظام القانوني المحلي، أو الاعتراف بتطبيقها، أن يعزز بصورة ملحوظة نطاق وفعالية تدابير الانتصاف وينبغي تشجيعه في جميع الحالات. وعندئذ يمكن إسناد صلاحيات إلى المحاكم للفصل في انتهاكات المضمون الأساسي للحق في الغذاء بالرجوع مباشرة إلى الالتزامات المنصوص عليها في العهد.
وإن القضاة وغيرهم من ممارسي المهنة القضائية مدعوون إلى إيلاء انتهاكات الحق في الغذاء المزيد من الاهتمام عند ممارستهم لمهامهم.
ويتعين على الدول الأطراف أن تحترم وتحمي عمل مناصري حقوق الإنسان وغيرهم من أفراد في المجتمع المدني الذين يقدمون المساعدة إلى المجموعات الضعيفة لتحقيق تمتعها بالحق في الغذاء الكافي.
الالتزامات الدولية
الدول الأطراف
يتعين على الدول الأطراف، طبقاً لروح المادة 56 من ميثاق الأمم المتحدة، والنصوص المحددة الواردة في المادتين 11، 2(أ) و23 من العهد وإعلان روما الصادر عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية، أن تعترف بالدور الهام للتعاون الدولي وأن تفي بالتزاماتها المتمثلة في اتخاذ إجراءات مشتركة ومنفصلة لبلوغ هدف التحقيق الكامل للتمتع بالحق في غذاء كاف. ويتعين على الدول الأطراف، عند الامتثال لالتزاماتها، أن تتخذ الخطوات اللازمة لاحترام التمتع بالحق في الغذاء في بلدان أخرى، ولحماية ذلك الحق، ولتيسير الحصول على الغذاء ولتوفير المساعدة اللازمة عند الطلب. ويتعين على الدول الأطراف أن تكفل إيلاء الاعتبار الواجب للحق في غذاء كافٍ في الاتفاقات الدولية حيثما تكون لـه صلة بالموضوع، وأن تنظر في صياغة مزيد من الصكوك القانونية الدولية لتحقيق هذا الغرض.
ويتعين على الدول الأطراف أن تمتنع في جمع الأوقات عن فرض حظر على الغذاء أو اتخاذ تدابير مشابهة تعرّض للخطر ظروف إنتاج الغذاء والحصول عليه في بلدان أخرى. فينبغي ألا يستخدم الغذاء مطلقاً كأداة لممارسة ضغوط سياسية واقتصادية. وفي هذا الصدد، تذكّر اللجنة بموقفها المشار إليه في التعليق العام رقم 8 بشأن العلاقة بين الجزاءات الاقتصادية واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الدول والمنظمات الدولية
ينص ميثاق الأمم المتحدة على أنه تقع على عاتق الدول مسؤولية مشتركة ومنفردة عن التعاون في تقديم الإغاثة في حالات الكوارث والمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ، بما في ذلك مساعدة اللاجئين والمشردين بصورة دائمة. ويتعين على كل دولة أن تسهم في هذه المهمة وفقاً لقدراتها. ويؤدي برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبصورة متزايدة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) دوراً هاماً في هذا الصدد وينبغي تعزيزه. وينبغي إيلاء الأولوية في المساعدة الغذائية إلى أضعف فئات السكان.
وينبغي أن تقدم المساعدة الغذائية، كلما كان ذلك ممكناً، بطرق لا تؤثر سلباً على المنتجين المحليين والأسواق المحلية، وينبغي تنظيمها بطرق تيسر عودة المستفيدين منها إلى الاعتماد على الذات في توفير الغذاء. وينبغي أن تستند مثل هذه المساعدة إلى احتياجات المستفيدين المستهدفين، ويجب أن تكون المنتجات التي تشملها التجارة الدولية في الأغذية أو برامج المساعدة منتجات سليمة ومقبولة في السياق الثقافي للسكان المستفيدين.
الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى
وإن لدور وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك الدور الذي تؤديه في إطار المساعدة الإنمائية التي توفرها الأمم المتحدة على الصعيد القطري، في تعزيز التمتع بالحق في الغذاء أهمية خاصة. وينبغي المحافظة على الجهود المنسقة المبذولة لتحقيق التمتع بالحق في الغذاء بغية تعزيز الانسجام والتفاعل فيما بين جميع الفاعلين المعنيين، بمن فيهم مختلف عناصر المجتمع المدني. ويتعين على المنظمات المعنية بالغذاء، وهي منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، أن تقوم بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والبنك الدولي والبنوك الإنمائية الإقليمية، بالتعاون بصورة أكثر فعالية، وذلك بالاعتماد على خبراتها في مجال إعمال الحق في الغذاء على المستوى الوطني مع المراعاة الواجبة لولاية كل منها.
ويتعين على المؤسسات المالية الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن تولي حماية الحق في الغذاء اهتماماً متزايداً في سياساتها المتعلقة بالقروض واتفاقاتها المتعلقة بالائتمان وفي التدابير الدولية التي تتخذها لمواجهة أزمة الديون. وينبغي توخي الحذر، تمشياً مع الفقرة 9 من التعليق العام رقم 2 للجنة، في أي برنامج للتكيف الهيكلي لضمان حماية الحق في الغذاء.