الاختفاء القسري .. مفاهيم حقوقية وجهود دولية
الاختفاء القسري .. مفاهيم حقوقية وجهود دولية
يعد الاختفاء القسري من أكثر الحالات التي تمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان ويشكل جريمة دولية. فالشخص الذي يتعرض للاختفاء القسري يصبح محروماً من كافة حقوقه ويبقى دون أن يدافع عنه أحد على الإطلاق ويكون في أيدي معذبيه خارج نطاق حماية القانون. فحالة الاختفاء القسري في حد ذاتها تعد إنكارا لما يتمتع به الشخص من إنسانية. تتسبب ممارسة الاختفاء القسري ضد الاشخاص حالات معاناة قاسية عديدة لأقارب وأصدقاء الشخص الذي تعرض للاختفاء، فالانتظار الذي لا نهاية له لعودة الشخص المختفي والغموض المستمر الذي يكتنف مصيره ومكان تواجد الشخص الذي نحبه يمثل شكلا من أشكال العذاب المتواصل لأمهات وآباء وزوجات وأزواج وأبناء وبنات وإخوة وأخوات الشخص المتعرض لحالة الاختفاء القسري.
العملية الظالمة في إخفاء الطفل الذي يولد أثناء أسر الأم والتي تعرضت لعملية اختفاء قسري تعد جريمة بشعة على وجه الخصوص وتتناقض مع أي مبدأ أساسي في الإنسانية. تنتهك ممارسة الاختفاء القسري القيم الرئيسية للإنسانية والمبادئ الأساسية لسيادة القانون وبصفة عامة القانون الدولي.
يمثل الاختفاء القسري تحدياً لمفهوم حقوق الإنسان بشكل مطلق: فهو يرقى إلى كونه إنكاراً لحق جميع الأشخاص في الوجود وأن يكون لديهم هوية. فالاختفاء القسري يجرد الإنسان من صفته الإنسانية. ومن أقصى مستويات الفساد سوء استخدام السلطة بما يتيح للجناة أثناء ارتكاب الجرائم البغيضة القيام بازدراء القانون والنظام واعتبارهما دون قيمة.
ولسوء الحظ، فإن ممارسة الاختفاء القسري لم تمارس في الماضي أو أنها محدودة على مناطق قليلة من العالم. فقد واجهت جميع القارات أو مازالت تواجه هذه الممارسة الإجرامية. فالناس يتعرضون للاختفاء في العديد من مناطق العالم. وتظهر الممارسة على فترات متقطعة ثم تعاود الظهور، وهي دائماً تؤدي إلى إنكار أساسيات الكرامة الإنسانية. الاختفاء القسري لا يبرهن على مجرد كونه من الأنشطة الإجرامية الخاصة بالسلطات العامة فحسب: فممارسة الاختفاء القسري تتعلق بأشكال القمع السري وفي العديد من البلدان، كانت هذه الممارسة أو تعد جزء لا يتجزأ من الطرق التي تهدف لنشر الخوف في المجتمع. فالشعور بعدم الأمان الذي تولده هذه الممارسة لا يقتصر على الأقارب المقربين للشخص الذي تعرض للاختفاء فحسب بل يمتد ليصل إلى مجتمعات هذا الشخص الذين تعرض للاختفاء والمجتمع ككل.
إفلات الجاني من العقوبة يعد من العوامل الرئيسية في التشجيع على وجود هذه الممارسة، ولمكافحة حالات الاختفاء القسري واستئصالها، فلا بد من وجود اتفاقية دولية بالإضافة إلى تعبئة كل البشر ضد هذه الكارثة.
ومنذ عام 1981، قامت رابطات أقارب الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء والمنظمات غير الحكومية والحكومات والمنظمات الدولية ببذل جهود ضخمة ضد هذه الممارسة الشنيعة وغير الإنسانية بغية الحصول على إقرار لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الاختفاء القسري. وأخيراً في 20 من شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2006، تبنت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة بالإجماع الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
وتسد هذه الاتفاقية فجوة هائلة لا يمكن التسامح بشأنها: انعدام وجود اتفاقية دولية من شأنها منع وحظر هذه الجريمة الدولية التي تشكل أكبر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. تقدم الاتفاقية الحق بعدم تعرض الشخص للاختفاء القسري بالإضافة إلى حق أقارب الشخص الذي تعرض للاختفاء القسري بمعرفة الحقيقة. تحتوي الاتفاقية على عدة بنود فيما يتعلق بالوقاية والتحقيق وفرض العقوبة على هذه الجريمة بالإضافة إلى حقوق الضحايا وأقاربهم والإخفاء الظالم للأطفال المولودين أثناء أسر الأمهات. وتنص الاتفاقية كذلك على الالتزام بالتعاون الدولي من أجل إيقاف الممارسة والتعامل مع الجوانب الإنسانية المتعلقة بهذه الجريمة. وتقوم الاتفاقية بتأسيس لجنة حول حالات الاختفاء القسري وهذه اللجنة ستكون مسئولة عن الوظائف الهامة والإبداعية للمراقبة والحماية على المستوى الدولي. لن تصبح هذه الاتفاقية من الوسائل الفعالة بالنسبة للمجتمع الدولي في مكافحته ضد حالات الاختفاء القسري فقط، بل ستمثل رسالة سياسية بشكل رئيسي مفادها أنه لن يتم التسامح مع تلك الممارسة ويلزم منعها.
يجب على جميع دول العالم تحمل مسئوليتها واعتبار الدخول الفوري لهذه الاتفاقية حيز التنفيذ وتطبيقها بفعالية أولوية لهذه الدول. وفي حقيقة الأمر، سيمثل التطبيق الكامل لبنود الاتفاقية تطوراً هاماً في مجال تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون على الصعيد الدولي أو الوطني على حد سواء.